يعد الانتباه من العمليات العقلية المهمة في حياة الفرد والتي تمكنه من الاتصال بالبيئة المحيطة به، واختياره للمنبهات الحسية المختلفة والاستجابة لها بصورة تجعله يتكيف ويتوافق معها. ويشير سترو أن الانتباه عملية عقلية نمائية، ولهذا يلاحظ على بعض الأطفال أنهم غير قادرين على التركيز وتنظيم نشاطهم الذهني نحو شيء محدد لفترة طويلة، إضافة لعدم قدرتهم على التحرر من العوامل الخارجية التي تشتت انتباههم. ت
إن الأطفال الذين يعانون من اضطراب ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد غير قادرين على الاستقرار، أو التركيز لفترة طويلة من الزمن، وغير قادرين على إنجاز ما يطلب منهم، وهم اندفاعيون في تصرفاتهم. حيث يقومون بحركات مفرطة دون هدف واضح. وهذا يزيد من المشكلات السلوكية التي يسببونها والتي تتمثل بالنشاط الحركي الزائد. ويعمل الوالدان للتدخل للحد منها، إلا أن هذه التدخلات قد تكون خاطئة وتزيد من حدة المشكلة. فقد يلجأ الوالدان لأساليب تربوية خاطئة تزيد من حجم معاناة الأطفال وتعرضهم للمزيد من المشكلات النفسية والاجتماعية التي يمتد أثرها للوالدين أيضاً، وخاصة إذا فشلا في معرفة الطرق السليمة في التعامل مع هذا الطفل. وقد يحاول الوالدان استهجان هذه السلوكيات المشكلة الصادرة من طفلهما بالتوبيخ، والضرب، ولوم الطفل عليها، ونقده؛ مما يؤدي بالتالي إلى تطوير علاقة غير سوية بين الطفل ووالديه، والتي تزيد من حدة المشاكل السلوكية لديه الطفل. ت
لذا فإن ارشاد الوالدين -وبالأخص الأمهات- لأساليب المعاملة الوالدية السليمة تجاه تلك المشكلات يعد من الأمور المهمة في هذا الصدد. حيث تعتبر الأسرة من أهم مصادر تدريب وتأهيل طفلها من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويسعى الوالدان للتزود بالمهارات والمعرفة اللازمة بواسطة التدريب والخدمات الاستشارية من ذوي الاختصاص لتلبية احتياجات طفليهما وتنمية قدراته بما يناسب حالته ووضعه. ت
وتفتقر أسر ذوي الاحتياجات الخاصة في دولة الكويت لوجود جهة متخصصة تقدم برامج إرشادية وتوعوية في كيفية التعامل مع أبنائها للحد من بعض المشكلات السلوكية، والنفسية، والاجتماعية لهم. ومن هنا كانت الحاجة لتوفير برامج تدريبية محكمة ومنظمة يمكن الاستعانة بها وتطبيقها في تعديل المشاكل السلوكية للأطفال من فئات مختلفة بما فيهم أطفال ذوي ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد. ت
اضطراب ضعف الانتباه المصاحب بالنشاط الزائد
تضاربت الآراء حول اعتبار اضطراب ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد هو اضطراب قائم بذاته أو عبارة عن اضطرابات متعددة الأبعاد. ويرجع ذلك لاختلاف المصطلحات التشخيصية والوصفية لهذا الاضطراب؛ فقد أشار إليه العاسمي على أنه اضطراب ناشيء عن تلف في المخ، أو اضطراب في الجهاز العصبي المركزي، أو زملة للخلل البسيط للمخ، أو رد الفعل الحركي الزائد. في حين يشير دليل التشخيص لجمعية الطب النفسي الأمريكية إلى ثلاثة أنماط من الاضطراب هي: نقص الانتباه، والنشاط الزائد الاندفاعي، والنشاط الزائد المصاحب لنقص الانتباه. ت
ويقتضي هذا الدليل التشخيصي بعداً واحداً أو بعدين أساسيين لنقص الانتباه أو النشاط الزائد الاندفاعي لدى الطفل لمدة ستة أشهر على الأقل من أجل الحكم عليه بأنه يعاني من اضطراب ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد. ت
وعلى الرغم من أن معظم الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب لديهم أعراض مشتركة بين نقص الانتباه والنشاط الزائد الاندفاعي، إلا أن بعض الأفراد تكون عندهم أعراض إما لهذا النمط أو ذاك هي الغالبة والسائدة. ويمكن تشخيص هذه الأعراض باستخدام المعايير التشخيصية لاضطراب ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد. ومن التوجهات البحثية الحديثة اعتبار قصور الانتباه مجموعة من الخصائص السلوكية المرتبطة باضطراب فرط النشاط. ت
أسباب الإصابة باضطرابات ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد
اختلف الباحثون في تحديد الأسباب المؤدية لاضطرابات ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد منها: ت
أ-العوامل الوراثية: حيث توصلت عدد من الدراسات التي تم أجراءها في الولايات المتحدة إلى احتمال زيادة الإصابة بين الأطفال من آباء وأمهات مصابين بها (سيلفر،1996). كما توصلت دراسة عملية أخرى على التوائم إلى أن 55- 92% من التوائم المتماثلة المصابين بهذا الاضطراب تظهر عليهم الأعراض لاحقاً(باركلي،1999). ت
ب- العوامل العضوية: حدوث تلف المخ نتيجة عدة عوامل؛ بعضها يحدث أثناء الحمل، وبعضها أثناء الولادة، أو مضاعفات لبعض الأمراض كالالتهاب السحائي، أو تعرض الأم الحامل للإشعاعات، أو إصابتها ببعض الأمراض كالحصبة الألمانية والزهري والحمى الشوكية. ت
ج- عوامل التركيبة الكيميائية العصبية: وجود مشكلات في انتقال نيورونات المخ؛ والتي قد تسبب انخفاض الطاقة في المنطقة العليا النشطة من المخ (الفص الأمامي) أو عدم نضج الخلايا العصبية أو تأثرها بالتلوث البيئي، وقد تكون بسبب زيادة نسبة الدوبامين لدى الفرد، وهي مادة تساعد على حمل الذبذبات العصبية في خلايا المخ. ت
د- عوامل تتعلق بمراحل نمو الجنين: من المحتمل أن تلقي مراحل فترة الحمل والعوامل الاجتماعية البيئية بآثارها على نمو الجنين، ومثال على تلك العوامل سوء التغذية، وزيادة عوامل الأيض والمواد السامة، والالتهابات. فكل منها قد يخلق صعوبات في مرحلة الحمل أو يسبب ولادة مبكرة قبل الأوان، أو وليد بحجم غير طبيعي أو كليهما. ت
طرق علاج اضطراب ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد
أ-العلاج بالعقاقير المنشطة: تعد هذه الطريقة جزءاً هاماً من برنامج علاج تكاملي للأطفال فوق عمر خمس سنوات، من الذين تبلغ حدة الأعراض عندهم مستوى متوسطاً أو شديداً. ومن هذه العقاقير الريتالين والسايلرات، والديكستيرن. ت
ويبدي بعض الأطباء قلقهم حول الجرعات الزائدة لعدد من العقاقير العلاجية لاضطراب الانتباه والنشاط الزائد كالكلونيدن. حيث يسبب بعض العوارض الخطيرة كانخفاض ضغط الدم، والكآبة، وضيق التنفس. ت
ب- أساليب العلاج السلوكي: يعد تعديل السلوك إحدى الطرق العلاجية المستخدمة مع أطفال ذوي ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد، حيث يهتم العلاج السلوكي برصد الاستجابات وردود الأفعال البيئية من قبل الأسرة والمحيطين بالطفل، وذلك قبل ظهور السلوك المشكل، وبعد ظهوره. وهي الأسباب التي يتعرف عليها المعالج فيعمل على تعديلها، أو تغييرها للتخلي عن هذا السلوك، مستنداً إلى "أن السلوك هو محصلة المؤثرات والظروف البيئية في تفاعلها مع الفرد، وأن جميع أنواع السلوك يمكن أن تتغير عن طريق إجراء تغيير في بيئة الفرد التي تضم جميع المثيرات المحيطة بالفرد والظروف المعيشية له وكل ما يمكن أن يتعرض له الفرد في حياته".ت
ج- برامج تدريب آباء أطفال ذوي ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد: وتهدف هذه البرامج إلى تدريب الوالدين على كيفية تنظيم سلوك أطفالهما، والعمل مع الطفل ذي ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد كي يكتشف بنفسه نماذج السلوك، والطرق البديلة للسيطرة على انفعالاته، والعمل على اكتساب مهارات جديدة في أساليب العلاقات الأسرية لهذا الطفل، وتدريب الأسرة على أسلوب التدعيم الإيجابي للسلوك المرغوب فيه لدى الطفل (اليوسفي،2005). ت
كما أن الاتصال بين الأسر الأخرى لذوي الحالات المشابهة من الأطفال ذوي ضعف الانتباه المصاحب للنشاط الزائد (ADHD)، يساهم في تبادل المعلومات والاحتياطات الخاصة بهم، ومعرفة مدى الاستفادة من أساليب التعامل المختلفة مع هؤلاء الأطفال.