يخضع الكون الذي نعيش فيه لدورة حيوية تتصف بالدقة والتوازن. والحياة مستمرة في هذا الكون بفضل ما أودعه الله عز وجل من قدرة على التشكل والتحولات في أشكال الطاقة من حالة إلى حالة وفق سنن كونية هي غاية في الدقة والتوازن، إلا أن ما يحدثه الإنسان في هذا الكون من تلوث واستخدام غير رشيد لموارده يفضي إلى خلل هذا التوازن يؤثر في النظام البيئي فيهدمه أو يبسطه ويجعله عرضة للتهدم والتخريب. ت
لقد عبث الإنسان ببيئته فأخل في توازنها ولوثها، فهو يؤثر في النظام البيئي عندما يستخدم الطاقة، ويبعث الملوثات في أثناء سعيه لتوفير المأكل والملبس وغيرها من المنتجات الضخمة لسكان العالم المتزايدين.والضرر الذي يلحقه الإنسان بالبيئة هو محصلة ثلاثة عوامل: عدد الناس الكلي، ومقدار ما يستهلكه كل شخص للحفاظ على مستوى معيشته، ومقدار الضرر الذي تتعرض له البيئة من إنتاج السلع المستهلكة. ت
إن تزايد عدد سكان الأرض الهائل مع إمكانيات الأرض الزراعية المحدودة يكون عبئاً ثقيلاً دفع الإنسان إلى قطع أشجار الغابات وإبادة أنواع كثيرة من الكائنات الحية لتوفير الزراعة والرعي، والحصول على الأخشاب، وبناء الجسور، وشق الطرق، وراح يسحب من الأرض مواردها الخام لإتخام محركات الاقتصاد العالمي، إضافة إلى أن الإنسان المتحضر جعل محيطه من جو وأرض وماء أوعية لنفاياته الناتجة من استهلاكه للطاقة. ت
إن بروز هذه المشكلات وتفاقمها أفضى إلى صحوة إنسانية تجلت بالاهتمام الكبير بمشكلات البيئة وقضاياها على المستوى العالمي والعربي، وتزايد عدد المؤتمرات والندوات والصيحات المتتالية التي أعقبت الصيحة الأولى التي انطلقت من استوكهولم عام ألف وتسعمائة واثنان وسبعون. ت
ت(حافظوا على بيئتكم من التدهور، لا ترهقوها باستنزاف خيراتها، وتشويه معالمها) ت
واستجابة لهذه المؤتمرات والتوصيات سعت الدول إلى تضمين مناهجها وكتبها المدرسية بمفهومات التربية البيئية وجعلها بعداً أساسياً من أبعاد المعرفة، وأصبح التعمق به ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، فقد اقترح مورداخ في كتابه حول التربية البيئية أفكاراً وطرقاً وأساليب عملية تساعد على إدخال التربية البيئية إلى المناهج المدرسية. ت
وظهرت محاولات عديدة في كثير من الدول للعناية ببرامج التربية البيئية في المراحل التعليمية المختلفة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا واستراليا ونيوزلندا أكثر من مئتين منظمة تساعد بإمدادات الرسائل التعليمية والمعلومات والأنشطة، وكل ما يتعلق بالمساعدة في مجال التربية البيئية. ت
أما المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وإيماناً منها بأهمية التربية البيئية وضرورتها، فقد عقدت مؤتمراتها التربوية التي تدعو إلى تحديث المناهج وتوظيفها للتناسب ومتطلبات حال البيئة الراهن. ت
وهناك محاولات في كل الدول العربية لنشر الوعي البيئي من طريق وسائل الإعلام المختلفة لتوعية الجماهير بالمخاطر البيئية، وضرورة اعتماد أسلوب آخر للتعامل مع الطبيعة كما أن كل هذه الدول سنت تشريعات لإدخال التربية البيئية في مناهجها بأحد الأسلوبين:ت
أ-كمادة مستقلة قائمة بذاتها. ت
ب-تضمين مناهج المواد المدرسية والعلمية المختلفة معلومات بيئية لفهم مشكلات البيئة. ت
وقد تبنت معظم الدول العربية الأسلوب التالي: ت
وهنا لابد من التمييز بين البيئة والتربية ، فالبيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من عناصر حية وعناصر غير حية يتأثر بها ويؤثر هو أيضاً فيها. أما التربية البيئية فيقصد بها "تكوين المهارات والاتجاهات والقيم اللازمة لفهم العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان ببيئته وتقديرها، وتركز كذلك على ضرورة حماية البيئة وحسن استغلالها لمصلحة الإنسان، ولرفع مستوى معيشته. ت
فهي جهد منظم وهادف، يسعى إلى مساعدة المتعلم على تطوير المعارف والمهارات والقيم الأساسية لحل المشكلات البيئيةة واتخاذ القرارات السليمة تجاهها. وللتربية البيئية أهمية خاصة برزت على نحو واضح في طلب الحكومات والمنظمات الدولية والملحية إدخالها إلى المناهج التربوية وإعداد الكتب الخاصة بها. ت
أهداف التربية البيئية: ت
لقد حدد مؤتمر تبليس عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين أهداف التربية البيئية في المجالات التالية: ت
أ- الوعي: ويقصد به مساعدة المتعلمين على اكتساب وعي بالمشكلات البيئية
ب- المعارف: مساعدة المتعلمين على اكتساب معارف متنوعة بالبيئة ومشكلاتها
ج-الاتجاهات: مساعدة المتعلمين لتكوين اتجاهات إيجابية نحو البيئة وحفزهم على الإسهام الفعال في حمايتها والمحافظة عليها
د- المهارات: أي اكتساب المتعلمين المهارات الأساسية اللازمة لتعرف مشكلات البيئة واقتراح الحلول المناسبة لها
هـ- الإسهام: العمل على مساعدة المتعلمين ليساهموا إسهاما؟ً مباشراً، وفي جميع المستويات، في العمل على حل المشكلات البيئية
وبتحليل الأهداف السابقة يتبين أن التربية البيئية تهدف لإعداد مواطنين قادرين على التفاعل مع بيئتهم على نحو سليم بحيث يتخذون القرارات المناسبة لحمايتها والتصدي للمشكلات التي تعترضهم، كمكافحة التلوث والحد من تزايد السكان وحل مشكلة الغذاء. ت
وإعداد الأفراد المسؤولين عن بيئتهم والقادرين على حمايتها وحل مشكلاتها يتطلب مناهج جديدة تبرز هذه المشكلات وتساعدهم على إيجاد الحلول المناسبة لها، وذلك بتبني الأهداف التالية في مجالات الأهداف الثلاثة. ت
المجال المعرفي: ويمكن تلخيصها كالآتي: ت
أ-أن يكتسب المتعلم معلومات عن البيئة الطبيعية التي يعيش فيها
ب-أن يحدد أهمية البيئة للكائنات الحية
ج-أن يحدد مقومات الثروة الطبيعية في بيئته
د-أن يقترح طرائق وأساليب لترشيد استهلاك الثروة الطبيعية
هـ-أن يحدد المشكلات التي تتعرض لها البيئة
و-أن يقترح حلولاً مناسبة للمشكلات البيئية المعروضة
ز-أن يحلل مقومات التوازن الطبيعي في بيئته
ح-أن يحدد أوجه النشاط البشري الذي يخل بالتوازن البيئي
ط-أن يبدي رأيه في المعتقدات الخاطئة السائدة في المحافظة على البيئة
المجال الوجداني(القيم والاتجاهات): ت
ويقصد به تكوين الاتجاهات السليمة نحو البيئة والمحافظة على مواردها والتعامل معها بوعي واتزان، وبمعنى آخر أن يكتسب الوعي البيئي الهادف إلى حماية البيئة وذلك من خلال: ت
أ-أن يقدر قيمة الانسجام بين مكونات البيئة والعلاقات العضوية التي تربط بينها وأهمية ذلك لاستمرار الحياة على الأرض
ب-أن يقدر خطورة الإساءة إلى التوازن البيئي الدقيق الذي يقوم على روابط غاية في الدقة بين مختلف عناصر النظام البيئي
ج-أن يقدر الجهود التي تبذلها الشعوب والمنظمات والأفراد لحماية البيئة والمحافظة عليها
المجال الحركي(المهاري): ت
ويقصد به أن يكتسب المتعلم: ت
أ-مهارات عقلية، كملاحظة الظواهر الطبيعية وتفسيرها وجمع الحقائق العلمية من مصادرها، ومهارة استقراء الحقائق والوصول إلى مفاهيم وتعميقات عامة إضافة إل مهارة تصنيف الكائنات الحية الموجودة في بيئته
ب-مهارات يدوية، كالقدرة على مقاومة بعض الآفات الضارة، زراعة الأشجار، الحفاظ على النظافة العامة، ونظافته الشخصية، ترشيد استهلاك الماء عند استخدامه، ... الخ
إن تحليل الأهداف السابقة يحدد المجالات التي يمكن أن تتضمنها المناهج لخلق الوعي البيئي عند المتعلمين والتي يمكن تحديدها بالمجالات التالية: ن
أ- معلومات مستمدة من البيئة (البيئة الطبيعية، النظام البيئي، التوازن الطبيعي في البيئة). ت
ب- معلومات عن الموارد البيئية المتجددة وغير المتجددة وكيفية صيانتها والمشكلات التي تتعرض لها هذه الموارد كالاستنزاف والتلوث والهدر. ت
ج- عرض المشكلات البيئية الخطيرة التي أفرزتها الحضارة الإنسانية الحديثة وزيادة عدد سكان الأرض مثل: تلوث الماء والهواء، قطع الغابات، انحباس الحرارة، ثقب الأوزون، انقراض بعض أنواع الحيوانات، هدر الموارد الطبيعية.. الخ. ت
د- تشجيع المتعلمين على اقتراح حلول للمشكلات البيئية، مع ترك الفرصة للمتعلمين لعرض حلولهم والتعبير عنها بحرية كاملة، وهذا مما يتيح لهم فرص الإبداع والابتكار، فالمجتمع الدولي بحاجة لتكاتف جميع الجهود من كل الأفراد صغاراً وكباراً، كل في مجاله ومحيطه، ليحافظ على بيئته وينقذ الحياة على الأرض. ن
ولابد أن يكون للمناهج أثر هام في إعادة بناء الإنسان المحب لبيئته، الحريص على حمايتها، وذلك بأن تحدد الأهداف الأساسية للتربية البيئية بعد تحليلها واشتقاق المحتوى المناسب منها واستخدام الأساليب والفعاليات التي تضمن نقلها إلى أرض الواقع. ت
وعلى مستوى الوطن العربي، فإن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إيماناً منها بأهمية التربية البيئية، عقدت المؤتمرات العديدة التي توصي بتحديث المناهج وتوظيفها لتناسب الحال الراهن للبيئة، وعلى الرغم من الاختلاف الكبير في تضمين المفهومات البيئية لمناهج التعليم العام في الدول العربية، يمكننا تلخيص السمات الأساسية لواقع التربية البيئية على النحو التالي: ت
أ-إن بعض المقررات تحتوي موضوعات تتعلق بالبيئة ومكوناتها ولاسيما العلوم الطبيعية والاجتماعية. ت
ب-معظم الدول العربية تبنت أسلوب الدمج في مجال التربية البيئية. ت
ج-على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من جميع الدول العربية لنشر الوعي البيئي فإن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح بسبب النقص الكبير في الإطار البشري المؤهل الأقدر على إعداد المناهج والأنشطة اللازمة لتحقيق أهداف التربية البيئية، إضافة إلى النقص الواضح في الوسائل التربوية في هذا المجال، كما أشارت الدراسات المسحية للمناهج في الوطن العربي إلى أن المناهج التعليمية في وضعها الراهن تفتقر إلى المضامين البيئية الأساسية وعدم التوازن في الأهمية المعطاة لكل مجال من مجالات التربية البيئية والتي يمكن تحديدها بـ (البيئة الطبيعية، النظام البيئي، الموارد الطبيعية، المشكلات البيئية، حماية البيئة). ت
فالاهتمام بالمفهومات السابقة متفاوت تفاوتاً كبيراً إذ يتم التركيز على طرح المشكلات البيئية على نحو سطحي دون إعطاء المتعلمين فرصة للتفكير واقتراح الحلول. ت
كما أن معظم المفهومات البيئية وردت على نحو ضمني غير صريح، وهذا يحتاج إلى معلم مؤهل قادر على إبرازها وتوضيحها. ت
وأخيراً إذا أردنا أن نعيش في بيئة سليمة وأردنا لأطفالنا حياة مستقرة فعلينا أن نركز جهودنا على إبراز أهداف التربية البيئية وتحديد الأساليب والأنشطة والفعاليات التي تساهم في تحقيقها، والعمل على إعادة النظر في المناهج المعمول بها حالياً لإدخال المفهومات البيئية في مجالاتها المختلفة، مع ضرورة تحديد المشكلات البيئية المحلية التي يعانيها الوطن العربي ودراستها دراسة وافية وإعطائها حجماً أوسع في المناهج، وترك المجال مفتوحاً أمام الجميع لاقتراح الحلول المناسبة، مع تأكيد ضرورة تطبيقات التربية البيئية من خلال تمرينات وأنشطة متنوعة صفية ولا صفية. ت